.jpg)
الكوليسترول كلمة كثيرًا ما نسمعها في أحاديث الأطباء، في مقالات التغذية، وحتى في الإعلانات الطبية. ورغم أنه غالبًا ما يُرتبط في أذهان الناس بالأمراض والمشاكل الصحية، فإن الحقيقة أكثر تعقيدًا: الكوليسترول مادة حيوية أساسية لجسم الإنسان. فهو يشبه السيف ذو الحدين، ضروري للحياة، لكن ارتفاعه بشكل غير متوازن قد يتحول إلى قنبلة موقوتة تهدد القلب والشرايين.
ما هو الكوليسترول؟
الكوليسترول عبارة عن مركب دهني شمعي، لا يذوب في الماء، ينتقل في الدم عبر بروتينات
ناقلة تُسمى "الليبُوبروتينات". ورغم صغر حجمه، إلا أن تأثيره على الصحة
قد يكون بالغًا، إذ يتسلل بهدوء إلى جدران الشرايين ليشكل ترسبات دهنية، ما يؤدي مع
الوقت إلى تضييق مجرى الدم وحدوث ما يعرف بـ تصلب الشرايين.
الفرق بين الكوليسترول النافع والضار
ليس كل الكوليسترول سيئًا.
- الكوليسترول النافع (HDL) يعمل كمنظف للشرايين، حيث يلتقط جزيئات الكوليسترول الزائد ويعيدها إلى الكبد للتخلص منها.
- أما الكوليسترول الضار (LDL) فهو العدو الصامت الذي يترسب على جدران الشرايين ويزيد من خطر أمراض القلب.
💡 التوازن بين الاثنين هو ما يحدد مصير صحة القلب والأوعية الدموية.
لماذا يشكل ارتفاعه مشكلة صحية عالمية؟
منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن واحدًا من كل ثلاثة بالغين في العالم يعاني من
ارتفاع مستويات الكوليسترول. الخطورة تكمن في أنه غالبًا بلا أعراض حتى مراحل متقدمة،
ما يجعله "قاتلًا صامتًا". إنه المسؤول الرئيسي عن ملايين الوفيات الناتجة
عن أمراض القلب والسكتات الدماغية سنويًا.
دور الكوليسترول في الجسم
- بناء أغشية الخلايا : الكوليسترول جزء أساسي من أغشية الخلايا، يمنحها المرونة والقوة، ويضمن نقل المواد والتواصل بين الخلايا بشكل طبيعي وفعّال.
- إنتاج الهرمونات : يساهم في تصنيع هرمونات حيوية مثل الإستروجين والتستوستيرون، التي تتحكم في نمو الجسم، الخصوبة، وتنظيم وظائف متعددة للأعضاء.
- تصنيع فيتامين D : يعمل الكوليسترول كمادة أساسية لتكوين فيتامين D، الضروري لصحة العظام والأسنان، وتعزيز امتصاص الكالسيوم والفوسفور.
- تكوين الأحماض الصفراوية : يساعد على إنتاج الأحماض الصفراوية التي تلعب دورًا مهمًا في هضم وامتصاص الدهون والفيتامينات الذائبة فيها مثل A وE وK.
كيف يصنع الجسم الكوليسترول؟
الكبد هو المصنع الأساسي للكوليسترول في جسم الإنسان. حوالي 70% من الكوليسترول
الذي نحتاجه يوميًا يصنعه الكبد بنفسه، أما الباقي فيأتي من الطعام.
عملية التصنيع هذه تتم بخطوات دقيقة، ويشرف عليها إنزيم خاص يشبه "المفتاح"
الذي يتحكم في تشغيل أو إيقاف الإنتاج. إذا ارتفع الكوليسترول في الدم، يخفف الكبد
من إنتاجه، وإذا انخفض، يسرّع الكبد عملية التصنيع ليحافظ على التوازن.
بعد أن يُصنّع الكوليسترول في الكبد، يتم نقله في الدم داخل جزيئات خاصة تُسمى
"البروتينات الدهنية". ومع مرور الوقت، قد يتحول بعض هذا الكوليسترول إلى
النوع الضار (LDL)، والذي يترسب في الشرايين إذا زاد عن حده الطبيعي.
التوازن بين الكوليسترول الغذائي والمصنَّع
الجسم لديه نظام ذكي يحافظ على التوازن. فإذا تناول الإنسان طعامًا غنيًا بالكوليسترول
مثل اللحوم الدسمة أو صفار البيض، يقلل الكبد من تصنيعه. أما إذا كان الطعام قليل الكوليسترول،
فإن الكبد يزيد الإنتاج ليعوّض النقص.
لكن المشكلة لا تأتي من الكوليسترول الموجود في الأكل فقط، بل من نوعية الدهون
التي نتناولها. فالدهون الضارة مثل الدهون المشبعة (الموجودة في المقليات والوجبات
السريعة) أو الدهون المتحولة (في بعض الحلويات والبسكويت الجاهز) تجعل الكبد ينتج كوليسترول
ضار أكثر من اللازم.
إضافة إلى الطعام، هناك عوامل أخرى تؤثر على التوازن:
- الوراثة : بعض الأشخاص يرثون جينات تجعل الكبد يصنع كوليسترول أكثر من الطبيعي.
- الأمراض : مثل مرض السكري أو مشاكل الغدة، التي تزيد من إنتاج الكوليسترول.
- النشاط البدني : الحركة والرياضة تساعد على رفع الكوليسترول النافع (HDL) وتقليل الضار.
- الأدوية : بعض الأدوية مثل "الستاتينات" يستخدمها الأطباء لتقليل تصنيع الكوليسترول داخل الكبد.
.jpg)
أسباب ارتفاع الكوليسترول في الدم
- العوامل الوراثية : بعض الأشخاص يولدون بجينات تجعل أجسامهم تنتج كوليسترول أكثر من المعدل الطبيعي.
- التغذية غير المتوازنة : الإفراط في تناول الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة والمقليات.
- قلة النشاط البدني : قلة الحركة تعني بطء حرق الدهون وتراكمها.
- التدخين والكحول : تضعف جدران الشرايين وتزيد من ترسب الكوليسترول.
- الأمراض المزمنة : مثل السكري واضطرابات الغدة الدرقية.
أعراض ارتفاع الكوليسترول في الجسم
في البداية، قد لا تشعر بشيء. الصمت هو السمة الأخطر لارتفاع الكوليسترول. لكن
مع مرور الوقت، قد تظهر:
- ترسبات دهنية صفراء صغيرة على الجلد حول العينين.
- ألم في الصدر عند المجهود نتيجة تضيق الشرايين.
- مضاعفات خطيرة مثل الذبحة الصدرية أو الجلطات.
- تأثير التوتر والضغط النفسي على مستويات الكوليسترول
التوتر ليس مجرد شعور نفسي، بل له انعكاسات كيميائية في الجسم. الكورتيزول، هرمون التوتر، يزيد من إنتاج الكبد للكوليسترول الضار. لذلك، فإن القلق المزمن ونمط الحياة المليء بالضغوط يسهمان بشكل غير مباشر في رفع المخاطر القلبية.
طرق خفض الكوليسترول والسيطرة عليه بشكل طبيعي
- النشاط البدني المنتظم : المشي السريع 30 دقيقة يوميًا يساعد الكبد على موازنة الدهون ويزيد من الكوليسترول الجيد (HDL).
- اختيار الدهون الصحية : استبدال الزيوت المهدرجة بزيت الزيتون أو زيت الكانولا يقلل من تراكم الكوليسترول الضار.
- زيادة الألياف الغذائية : تناول الشوفان، التفاح، والبقوليات يساعد على امتصاص جزء من الكوليسترول ومنع دخوله إلى الدم.
- الإقلاع عن التدخين : الامتناع عن السجائر يحسّن الدورة الدموية ويعيد التوازن بين الكوليسترول النافع والضار.
- التحكم في الوزن : فقدان 5-10% فقط من وزن الجسم قد يُحدث فرقًا كبيرًا في خفض مستويات الكوليسترول.
أفضل الأغذية لإزالة الكوليسترول الضار
- الشوفان والحبوب الكاملة : الشوفان يحتوي على الألياف الذائبة (بيتا-غلوكان)، وهي تعمل مثل إسفنجة داخل الأمعاء؛ حيث ترتبط بجزء من الكوليسترول والدهون وتمنع امتصاصها، فيضطر الجسم لاستخدام الكوليسترول المخزن في الدم لتعويض النقص. النتيجة: انخفاض تدريجي للكوليسترول الضار (LDL).
- البقوليات : الفاصوليا، العدس، الحمص… غنية بالألياف والبروتين النباتي. الألياف تبطئ امتصاص الدهون والسكر، مما يحسن حساسية الإنسولين ويقلل من إنتاج الكبد للكوليسترول. كما أن استبدال اللحوم الحمراء بالبقوليات يقلل الدهون المشبعة المسؤولة عن رفع الكوليسترول الضار.
- الأسماك الدهنية (السلمون، التونة، السردين) : تحتوي على الأوميغا-3، وهي أحماض دهنية تمنع تراكم الدهون الثلاثية وتزيد من مرونة جدران الشرايين. الأوميغا-3 لا تقلل الكوليسترول الضار مباشرة، لكنها تقلل الالتهابات وتحافظ على الشرايين مفتوحة، وتزيد من الكوليسترول النافع (HDL) الذي يعمل كمنظف للأوعية.
- الخضروات الورقية والفواكه (التفاح، البرتقال) : الفواكه الغنية بالألياف الذائبة مثل البكتين تمتص جزءًا من الكوليسترول قبل دخوله إلى الدم. أما الخضروات الورقية فهي غنية بمضادات الأكسدة التي تمنع أكسدة الكوليسترول الضار، وهي العملية التي تجعله يلتصق بجدار الشرايين ويسبب التصلب.
- زيت الزيتون والمكسرات : زيت الزيتون غني بـ الدهون الأحادية غير المشبعة التي
تقلل من إنتاج الكوليسترول الضار في الكبد وتزيد من الكوليسترول النافع. المكسرات
(مثل اللوز والجوز) تحتوي أيضًا على الألياف النباتية والأوميغا-3 النباتي (ALA)،
ما يجعلها غذاءً مزدوج الفائدة.
كيفية جعل الجسم يقلل من إنتاج الكوليسترول الضار
- اتباع نظام غذائي متوازن : تناول الخضروات، الفواكه، والحبوب الكاملة مع تقليل الأطعمة الدهنية، يساعد الكبد على إنتاج كوليسترول أقل ويحسن صحة الشرايين.
- النشاط البدني المنتظم : المشي السريع أو أي نشاط يومي لمدة نصف ساعة يرفع الكوليسترول النافع ويقلل من تراكم الدهون الضارة في الدم.
- إدارة التوتر والنوم الجيد : النوم الكافي وممارسة التنفس العميق أو التأمل يحد من هرمونات التوتر التي ترفع الكوليسترول الضار.
- الأعشاب والمكملات الطبيعية : الثوم والحلبة يمكن إضافتها للطعام لدعم صحة القلب وتقليل مستوى الكوليسترول الضار بشكل طبيعي وبسيط.
العلاجات الطبية لارتفاع الكوليسترول
الأدوية الخافضة للكوليسترول : الستاتينات تعمل على خفض إنتاج الكوليسترول الضار
في الكبد وتثبيت الترسبات في الشرايين، مما يقلل خطر النوبات القلبية والسكتات.
المتابعة الدورية : فحوصات الدم المنتظمة ضرورية لتقييم مستوى الكوليسترول وضمان
فعالية العلاج، مع ضبط الجرعات عند الحاجة تحت إشراف الطبيب.
المضاعفات المرتبطة بارتفاع الكوليسترول
- تصلب الشرايين : تراكم الكوليسترول على جدران الشرايين يضيّق مجرى الدم، ما يزيد احتمال أمراض القلب ويضعف تدفق الأكسجين إلى الأعضاء الحيوية.
- أمراض القلب التاجية : انسداد الشرايين التاجية يؤدي إلى الذبحة الصدرية أو النوبة القلبية، ويشكل تهديدًا مباشرًا لحياة الإنسان إذا لم يُعالج.
- السكتة الدماغية : ارتفاع الكوليسترول يمكن أن يسد شرايين المخ، مسبّبًا فقدان الحركة أو الكلام، ويشكل حالة طارئة تتطلب تدخلًا طبيًا عاجلًا.
الكوليسترول ليس عدوًا مطلقًا ولا صديقًا دائمًا، بل هو عنصر حيوي يحتاج إلى إدارة ذكية. السيطرة على مستوياته لا تتطلب حرمانًا قاسيًا، بل توازنًا ووعيًا: غذاء صحي، نشاط بدني، إدارة للتوتر، ومتابعة طبية عند الحاجة. فالوقاية دائمًا أسهل وأجدى من العلاج.