
تُعد اضطرابات الأكل من المشكلات النفسية التي تؤثر بشكل كبير على صحة الفرد النفسية والجسدية. وتشمل هذه الاضطرابات الأنوركسيا (فقدان الشهية العصبي) والبوليميا (الشره المرضي). يُعتبر فهم العلاقة بين هذه الاضطرابات، وصورة الجسد، والثقة بالنفس أمرًا ضروريًا لدعم المتضررين والتوعية المجتمعية.
ما هي اضطرابات الأكل؟
الأنوركسيا : الأنوركسيا هي اضطراب نفسي يتميز بخوف مفرط من زيادة الوزن، ما يدفع الشخص إلى الحد من تناول الطعام بشكل كبير، مما يؤدي إلى نقص شديد في الوزن. يعاني المصابون من تشوه في صورة الجسد، حيث يرون أنفسهم يعانون من السمنة رغم أن وزنهم منخفض جدًا.
البوليميا : البوليميا تتمثل في نوبات من الأكل المفرط (الشره)، تليها محاولات للتخلص من السعرات المكتسبة بطرق غير صحية، مثل التقيؤ المتعمد، استخدام الملينات، أو الصيام لفترات طويلة. يعاني هؤلاء الأشخاص من شعور دائم بالذنب والخجل، مع خوف من زيادة الوزن.
كيف تؤثر صورة الجسد على اضطرابات الأكل؟
صورة الجسد هي الطريقة التي يرى بها الإنسان مظهر جسده
وشكله، وتتأثر هذه الصورة بالعديد من العوامل مثل وسائل الإعلام، والبيئة الاجتماعية،
والتجارب الشخصية. للأسف، مع انتشار معايير جمال غير واقعية، خاصة عبر وسائل التواصل
الاجتماعي، تتزايد فرص شعور الأفراد بعدم الرضا عن أجسامهم.
عندما تصبح صورة الجسد سلبية أو مشوهة، قد يبدأ الشخص
باتباع سلوكيات غير صحية للتخلص من الوزن، وهذا قد يؤدي إلى اضطرابات الأكل. الفتيات
والشباب على حد سواء معرضون لهذه المخاطر، خصوصًا في المجتمعات التي تولي أهمية كبيرة
للمظهر الخارجي.
دور الثقة بالنفس في اضطرابات الأكل
الثقة بالنفس هي تقدير الشخص لذاته، وإيمانه بقدرته على
مواجهة تحديات الحياة والتعامل مع المواقف المختلفة بشكل إيجابي. عندما تكون الثقة
بالنفس منخفضة، يصبح الفرد أكثر عرضة للشعور بالشكوك، والقلق، والاكتئاب، مما يجعله
عرضة بشكل أكبر لتبني سلوكيات ضارة مثل اضطرابات الأكل. هذه السلوكيات قد تظهر كرد
فعل لمحاولة استعادة شعور بالسيطرة أو تحسين الصورة الذاتية، ولكنها في الواقع تزيد
من تدهور الصحة النفسية والجسدية.
ضعف الثقة بالنفس يجعل الأشخاص أكثر تأثرًا بالانتقادات
والمقارنات الاجتماعية، مما يزيد من معاناتهم مع صورة الجسد السلبية ويعمق الأزمة النفسية.
من النصائح المهمة التي قد يغفل عنها الكثيرون
- تعلم التفريق بين النقد البناء والانتقادات السلبية : فالثقة بالنفس تتعزز عندما يتعلم الشخص تقبل الملاحظات التي تساعده على النمو، دون السماح للانتقادات اللاذعة أن تهدم قيمته الذاتية.
- تطوير مهارات الوعي الذاتي : عبر التأمل أو الكتابة اليومية، يمكن للشخص أن يتعرف على أفكاره السلبية ومتى تنشأ، مما يتيح له مواجهتها وتحويلها إلى أفكار إيجابية.
- ممارسة تقنيات التعاطف الذاتي : وهي فن معاملة النفس بلطف وفهم، خصوصًا عند مواجهة الفشل أو الأخطاء، بدلاً من اللوم المستمر.
- الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية الداعمة : فوجود أصدقاء أو أفراد عائلة يقدمون الدعم العاطفي يساهم في بناء ثقة نفسية أفضل ويقلل من الشعور بالوحدة والانعزال.
- تحديد القيم الشخصية والأهداف الواقعية : التركيز على ما يجعل الحياة ذات معنى بعيدًا عن المظهر الخارجي يساعد في بناء هوية مستقلة ومستقرة.

العوامل المؤدية لاضطرابات الأكل
- الضغط الاجتماعي والثقافي : تعرض الشباب لمعايير جمال غير واقعية عبر الإعلام ووسائل التواصل يدفعهم لمقارنة أنفسهم بهذه الصور، مما يزيد رغبتهم في اتباع سلوكيات غذائية ضارة للتحكم في وزنهم.
- التجارب الشخصية الصعبة : مثل التنمر أو المشاكل العائلية أو فقدان شخص عزيز، تؤدي إلى ضغط نفسي يدفع البعض لمحاولة السيطرة على الطعام والوزن كوسيلة للهروب أو الشعور بالأمان.
- العوامل النفسية : القلق، الاكتئاب، والوسواس تزيد من احتمالية الإصابة باضطرابات الأكل، حيث يستخدم البعض الطعام كطريقة لتخفيف التوتر أو يتأثرون بأفكار سلبية مستمرة عن مظهرهم.
- العوامل الوراثية والبيولوجية : تلعب الجينات وتغيرات كيميائية في الدماغ دورًا في زيادة قابلية الإصابة، لكنها ليست السبب الوحيد وتظهر غالبًا بالتزامن مع عوامل نفسية وبيئية.
تأثير اضطرابات الأكل على الحياة
- مشاكل في القلب وضغط الدم: اضطرابات الأكل قد تسبب ضعف عضلة القلب واضطرابات في نبضاته، إضافة إلى تقلبات ضغط الدم التي تؤثر على صحة القلب.
- اضطرابات هرمونية وتأخر في النمو: نقص التغذية يؤثر على توازن الهرمونات مما يؤدي إلى تأخر في النمو الجسدي والجنسي، خاصة عند المراهقين.
- ضعف المناعة وتساقط الشعر: نقص الفيتامينات والمعادن يجعل الجسم أقل قدرة على مقاومة الأمراض ويسبب تساقط الشعر وضعفه.
- مشاكل في الهضم والكلى: التقيؤ أو سوء التغذية يسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي وتلف الكلى بسبب فقدان السوائل والسموم.
- العزلة الاجتماعية واضطرابات المزاج: المريض قد ينعزل عن الآخرين ويعاني من تقلبات مزاجية مثل الاكتئاب والقلق.
- فقدان القدرة على التركيز: سوء التغذية يؤثر على نشاط الدماغ، مما يقلل الانتباه والقدرة على التركيز في الدراسة أو العمل.
نصائح يومية للوقاية من اضطرابات الأكل وتعزيز الصحة النفسية
🌟 أولًا: خطوات
يومية لتعزيز صورة جسد إيجابية
ابدأ يومك بجملة إيجابية عن نفسك مثل: "أنا أقدّر
جسمي لأنه يمنحني القوة والحركة". علّم أبناءك تكرار عبارات مشابهة أمام المرآة.
امتنع عن انتقاد مظهرك أمام الآخرين أو أطفالك، حتى بشكل
ساخر، فالأطفال يتعلمون من الملاحظة.
خصص وقتًا أسبوعيًا لمشاهدة محتوى يعرض تنوعًا صحيًا في
أشكال الجسم، وناقش مع أطفالك كيف أن كل جسم له قيمة.
ثانيًا: بناء الثقة بالنفس من خلال ممارسات بسيطة
اكتب 3 أشياء أنجزتها اليوم في دفتر صغير، حتى لو كانت
بسيطة، واطلب من أبنائك أن يفعلوا الشيء نفسه.
مارس نشاطًا رياضيًا خفيفًا يوميًا (مثل المشي أو تمارين
التمدد) مع أحد أفراد الأسرة، لتربط الحركة بالشعور الجيد وليس بإنقاص الوزن فقط.
خصص "وقت حديث عائلي" أسبوعي للحديث عن مشاعر
أفراد الأسرة، دون حكم أو مقارنة.
📱 ثالثًا: مراقبة
تأثير وسائل التواصل بذكاء
قم بإلغاء متابعة الحسابات التي تُشعرك بالنقص أو الضغط،
وعلّم أبناءك الفرق بين المحتوى الواقعي والمعدّل.
حدد وقتًا يوميًا لاستخدام مواقع التواصل (مثلاً: 30 دقيقة
بعد إنهاء المهام الأساسية)، وكن قدوة لأطفالك في ذلك.
خصص وقتًا لمتابعة محتوى إيجابي مع الأبناء، مثل فيديوهات
عن تقبل الذات أو قصص ملهمة لأشخاص تخطوا تحديات نفسية.
متى وكيف تطلب المساعدة؟
إذا لاحظت علامات مثل انخفاض الوزن بشكل مفرط، نوبات شراهة
متكررة، التقيؤ المتعمد، أو انعزال اجتماعي، فمن المهم استشارة طبيب نفسي أو أخصائي
تغذية متخصص في اضطرابات الأكل. التشخيص المبكر والعلاج المناسب يمكن أن يمنع تفاقم
المشكلة.
طرق العلاج المتبعة
- العلاج النفسي: خصوصًا العلاج السلوكي المعرفي الذي يساعد على تعديل الأفكار والسلوكيات السلبية.
- العلاج الغذائي: لتصحيح العادات الغذائية وضمان تغذية سليمة.
- الدعم الأسري: الأسرة تلعب دورًا مهمًا في دعم المريض خلال العلاج.
- الأدوية: قد تُستخدم في بعض الحالات لعلاج الأعراض المصاحبة مثل الاكتئاب أو القلق.
اضطرابات الأكل من المشكلات الصحية النفسية الخطيرة التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصورة الجسد والثقة بالنفس. التوعية والتثقيف حول هذه الاضطرابات، بالإضافة إلى بناء بيئة اجتماعية داعمة وصحية، يمكن أن يساهم بشكل كبير في الوقاية والعلاج. لا تخف من طلب المساعدة، فالصحة النفسية هي ركيزة أساسية لحياة متوازنة وسعيدة.