
في عالم الصحة والتغذية، تُعدّ السعرات الحرارية المحرك الأساسي الذي يحدد ما إذا كان الجسم سيحافظ على وزنه، يخسره، أو يكتسب المزيد منه. ورغم بساطة المفهوم للوهلة الأولى، إلا أن حساب السعرات يعتمد على معادلات دقيقة تراعي عوامل متعددة، بدءًا من العمر والوزن، وصولًا إلى النشاط البدني والحالة الصحية.
التحكم في السعرات ليس مجرد وسيلة لإنقاص الوزن فحسب، بل هو نهج شامل لضمان حصول
الجسم على الطاقة الكافية لدعم وظائفه الحيوية وتعزيز الأداء البدني.
لماذا يختلف احتياج السعرات من شخص لآخر؟
يختلف احتياج الطاقة تبعًا للطول والوزن وحجم الجسم، حيث تحرق الأجسام الأكبر سعرات
أكثر من النحيفة، ومع التقدم في السن يقل الحرق مع تراجع الكتلة العضلية. كما يلعب
النشاط البدني دورًا رئيسيًا، فالتمارين القوية والحركة اليومية ترفع الاستهلاك الحراري،
وتزداد الفروق تبعًا لشدة التمرين ومدته وتأثيره المستمر على الأيض حتى بعد الانتهاء.
تتحكم الهرمونات والحالة الصحية في مقدار الحرق؛ فرط نشاط الغدة الدرقية يرفعه
بينما القصور يخفضه، والأدوية قد تغيّر الاستقلاب صعودًا أو هبوطًا. كما تحدد الوراثة
كفاءة الجسم في استخدام الطاقة، وتؤثر البيئة المحيطة كالبرودة والحرارة على الإنفاق
الحراري. ويزيد اضطراب النوم أو توقيت الأكل غير المنتظم من تخزين الطاقة ويقلل كفاءتها،
مما يعمّق الفروق بين الأفراد.
1. ما هي السعرات الحرارية؟
السعرات الحرارية تمثل الطاقة التي يحصل عليها الجسم من الطعام والشراب، وهي الوقود
الذي يتيح لأعضائنا أداء وظائفها الحيوية. توازن السعرات أساسي للتحكم في الوزن؛ فإذا
كانت السعرات الداخلة أكبر من المستهلكة، تتراكم الطاقة على شكل دهون، والعكس يؤدي
إلى فقدان الوزن.
الأيض هو العملية الكيميائية المعقدة التي يحول الجسم من خلالها هذه السعرات إلى
طاقة قابلة للاستخدام، ويختلف معدلها بين الأفراد حسب العمر، النشاط، والجينات، مما
يفسر تفاوت احتياجات الطاقة بشكل طبيعي.
2. العوامل المؤثرة في احتياجات السعرات الحرارية
اليومية
يحتاج الأطفال والمراهقون إلى سعرات إضافية لدعم النمو السريع، وبناء العظام والعضلات،
وضمان التطور العقلي والجسدي. لهذا، يجب أن تكون وجباتهم غنية بالطاقة والبروتينات
والفيتامينات والمعادن لضمان تلبية احتياجاتهم اليومية بشكل متوازن.
غالبًا ما يحتاج الرجال إلى سعرات حرارية أكثر من النساء، وذلك بسبب الكتلة العضلية
الأكبر ونسبة الأيض الأعلى. حتى عند الراحة، تحرق أجسامهم طاقة أكبر، مما يجعل احتياجاتهم
اليومية للطاقة أعلى بشكل طبيعي.
العضلات تحرق سعرات أكثر من الدهون حتى في وضع الراحة. لذلك، الأشخاص الذين يمتلكون
كتلة عضلية عالية لديهم معدل أيض أسرع، ويمكنهم حرق سعرات أكثر دون زيادة في النشاط
البدني مقارنة بالأشخاص ذوي نسبة دهون أعلى.
وظائف الجسم مثل نشاط الغدة الدرقية، مرض السكري، الحمل، والرضاعة تؤثر مباشرة
على احتياجات الطاقة. فمثلاً، الحمل يزيد الطلب على السعرات لدعم نمو الجنين، والرضاعة
تحتاج طاقة إضافية لإنتاج الحليب، في حين يمكن أن يؤدي اضطراب الغدة الدرقية أو السكري
إلى تغيير معدل الأيض بشكل كبير.
3. كيفية حساب السعرات الحرارية اليومية
- معادلات حساب السعرات الحرارية
معادلة Mifflin-St Jeor : تعد أكثر دقة وشيوعًا حاليًا، وتعطي نتيجة قريبة جدًا من الواقع.
للرجال: BMR=(10×الوزن بالكجم)+(6.25×الطول ب cm)–(5×العمر)+5
للنساء: BMR=(10×الوزن بالكجم)+(6.25×الطول ب cm)–(5×العمر)–161
معادلة Katch-McArdle : مثالية لمن يعرف نسبة الدهون في الجسم، لأنها تعتمد على كتلة الجسم الخالية من الدهون
BMR = 370 +
(21.6) × الوزن الخالي من الدهون بالكجم
- تحديد معدل الأيض الأساسي (BMR)
معدل الأيض الأساسي هو كمية الطاقة التي يحتاجها الجسم ليبقى على قيد الحياة في
حالة الراحة التامة، أي دون أي نشاط جسدي.
مثال عملي: رجل وزنه 70 كجم، طوله 175 سم، عمره 30 سنة:
BMR ≈ 10×70
+ 6.25×175 – 5×30 + 5 = 1673 سعرة حرارية يوميًا
- حساب معدل الأيض مع النشاط (TDEE)

4. تحديد السعرات الحرارية حسب الهدف الصحي
1. الحفاظ على الوزن الحالي : للحفاظ على الوزن، يجب تناول سعرات حرارية مساوية لما يحرقه الجسم يوميًا (TDEE). هذا يحافظ على التوازن بين الطاقة الداخلة والطاقة المستهلكة، ويمنع زيادة أو فقدان الوزن.
2. فقدان الوزن (خسارة الدهون) : لتقليل الدهون دون فقدان العضلات، يتم تناول سعرات حرارية أقل من احتياجات الجسم اليومية بشكل معتدل، مثل 500 سعرة يوميًا أقل من الاحتياج اليومي للطاقة. هذا يساعد الجسم على استخدام مخزون الدهون للطاقة مع الحفاظ على الكتلة العضلية.
3. بناء العضلات وزيادة الكتلة العضلية : يتطلب هذا تناول سعرات حرارية أكثر قليلاً من احتياجات الجسم اليومية، مع بروتين كافٍ وتمارين مقاومة منتظمة. السعرات الإضافية تغذي العضلات للنمو، بينما التدريب يحفز تكوين الألياف العضلية الجديدة.
4. اكتساب وزن صحي للأشخاص النحيفين : الأشخاص النحيفون يحتاجون زيادة مدروسة للسعرات مع اختيار أطعمة غنية بالبروتينات والكربوهيدرات والدهون الصحية، لضمان زيادة الوزن بشكل صحي ومتوازن دون تراكم دهون زائدة.
5. توزيع المغذيات الكبرى (Macronutrients)
ضمن السعرات
البروتين: يشكل البروتين نحو 25–30% من الطبق، وهو ضروري لبناء العضلات وإصلاح
الأنسجة ودعم المناعة. عند حساب السعرات اليومية، يُقسم احتياج البروتين على وجبات
اليوم لتلبية حاجة الجسم دون إفراط أو نقص، لأن كل غرام بروتين يزود الجسم 4 سعرات
حرارية. الخطأ الشائع هو تركيزه في وجبة واحدة فقط، ما يقلل استفادة العضلات على مدار
اليوم.
الكربوهيدرات: تُشكل الكربوهيدرات حوالي 40–50% من الطبق، وهي المصدر الرئيسي للطاقة
خصوصًا للدماغ والنشاط البدني. عند توزيع السعرات اليومية، تحسب الكربوهيدرات وفق نسبة
احتياجاتك للطاقة، حيث يمنح كل غرام 4 سعرات حرارية. الخطأ الشائع هو الإفراط في الكربوهيدرات
البسيطة أو تناولها مرة واحدة، مما يسبب زيادة الوزن وتقلب الطاقة.
الدهون الصحية: تشكل الدهون الصحية نحو 20–25% من الطبق، وتدعم صحة القلب والدماغ
وامتصاص الفيتامينات الذائبة في الدهون (A، D،
E،
K).
كل غرام دهون يمنح 9 سعرات حرارية، لذلك عند حساب السعرات اليومية يجب احتسابها بدقة
ضمن إجمالي السعرات. الخطأ الشائع هو إهمال الدهون أو الإفراط بالدهون المشبعة، مما
يقلل جودة الوجبة المتوازنة ويضر بالصحة.
6. أخطاء شائعة في حساب السعرات
1. التركيز على عدد الوجبات بدل السعرات الكلية
حيث نعتقد أن تناول 5 أو 6 وجبات صغيرة أفضل دائمًا. المهم هو السعرات الكلية اليومية،
فزيادة السعرات بأي شكل تؤدي لزيادة الوزن، والعكس صحيح.
2. تجاهل حجم الحصص الفعلي فالعديد يظن أن مجرد
تناول "قطعة صغيرة" كافٍ، لكن حجم الحصص الفعلي يحدد السعرات بدقة. عدم قياس
الطعام بدقة يؤدي إلى استهلاك سعرات أكثر أو أقل من المطلوب.
3. إهمال الماء والنوم كعوامل مساعدة حيث إن قلة
شرب الماء أو نقص النوم يبطئ الأيض ويؤثر على حرق الدهون.
4. الاعتماد على وصفات سريعة أو وجبات جاهزة تحتوي
غالبًا على سعرات ودهون مخفية. الاعتماد عليها يجعل تقدير السعرات غير دقيق ويعطل أهداف
الوزن أو بناء العضلات.
5. الحفاظ على نفس السعرات رغم زيادة النشاط أو
الرغبة في فقدان الوزن يبطئ النتائج، لأن احتياجات الطاقة تتغير حسب النشاط اليومي
والجسم.
7. أدوات وتطبيقات لحساب السعرات
تطبيقات مثل MyFitnessPal وCronometer تسهل الحساب، لكن الحساب اليدوي يبقى أدق أحيانًا لمن لديهم خبرة.

8. نصائح عملية لتتبع السعرات بنجاح
- حضّر وجباتك مسبقًا لتسهيل التحكم بالسعرات طوال الأسبوع، مع الاحتفاظ بالمرونة للأنشطة اليومية والمناسبات لتجنب الملل.
- راقب وزنك ومحيط خصرك دوريًا لتقييم التقدم، مع تجنب القياس اليومي المفرط الذي قد يسبب إحباطًا وقرارات متسرعة.
- كن مرنًا مع المناسبات والأنشطة اليومية، حاول تقدير السعرات تقريبًا وتوازنها مع باقي اليوم لتحقيق تقدم مستدام.
حساب السعرات الحرارية ليس ترفًا غذائيًا، بل أساس لبناء جسم صحي ومتوازن. تذكر أن الهدف ليس فقط إنقاص الوزن أو زيادته، بل الحفاظ على أسلوب حياة مستدام يدعم صحتك على المدى الطويل.